الاستدلال بخلق الله لآدم بيديه على تفضيل الأنبياء والجواب عليه
قال: "ومنه قوله تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ))[ص:75].
قال الآخرون: هذا دليل الفضل لا الأفضلية" قال المفضلون لآدم: إن الله قال لإبليس: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ))[ص:75] أي لهذا المفضل المكرم، الذي من تكريمي إياه خلقته بيدي، فقال الآخرون: هذا دليل على الفضل، ولا يدل على أنه أفضل المخلوقات، قال: "وإلا لزم تفضيله على محمد صلى الله عليه وسلم" قالوا: إن كون آدم خلقه الله بيديه يلزم منه أن يكون أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يخلقه بيديه، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم ولد من أم وأب كسائر الناس، وهذا مقطوع به شرعاً وعقلاً، قال: "فإن قلتم: هو من ذريته، فمن ذريته البر والفاجر، بل يوم القيامة إذا قيل لآدم: {ابعث بعثاً إلى النار ... يبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة} فما بال هذا التفضيل سرى إلى هذا الواحد من الألف فقط؟!" يقولون: إنه صلى الله عليه وسلم من جملة الذرية، وما دام أن من الجملة تسعمائة وتسعة وتسعين في النار، فما سرى إلى الواحد لا يمكن أن يتعدى إلى المجموع.
قال: "ومنه قول عبد الله بن سلام : [[ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم]] الحديث، فالشأن في ثبوته -وإن صح عنه فالشأن في ثبوته في نفسه- فإنه يحتمل أن يكون من الإسرائيليات" وقد تقدم شرح هذا الحديث، والحديث الذي بعده في درس سابق، وحديث عبد الله بن عمرو، وفيه رد الله اعتراض الملائكة، فقال: {وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان} وقلنا: إن شيخ الإسلام رحمه الله قال في رسالته بغية المرتاد : قد ثبت بالإسناد الذي على شرط الصحيح عن عبد الله بن عمرو وساق الحديث، وأيضاً أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة وذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى.
قال المصنف: "والشأن في ثبوتهما فإن في سنديهما مقالاً، وفي متنهما شيئاً" أما السند فالراجح أنه صحيح، وأما المتن فقال عنه: "فكيف يظن بالملائكة الاعتراض على الله مرات عديدة؟ وقد أخبر الله عنهم أنهم: ((لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ))[الأنبياء:27] وهل يظن بهم أنهم متبرمون بأحوالهم، متشوفون إلى ما سواها من شهوات بني آدم؟ والنوم أخو الموت، فكيف يغبطونهم به؟ وكيف يظن بهم أنهم يغبطونهم باللهو، وهو من الباطل؟ قالوا: بل الأمر بالعكس، فإن إبليس إنما وسوس إلى آدم ودلاه بغرور إذ أطمعه في أن يكون ملكاً" وهذا مما يدل على تفضيل الملائكة .. لكن على أية حال، إذا صح فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مجال لغيره أن يناقش أو يتكلم، وهذه الاعتراضات يكون لها شيء من الوجاهة، لكن لا تعارض النص، لأنه إذا قيل: كيف للملائكة الاعتراض على الله مرات عديدة؟ قلنا: يترجونه ويتوسلون إليه ولا يمنع التكرار أنهم ((عِبَادٌ مُكْرَمُونَ))[الأنبياء:26] * ((لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ))[الأنبياء:27]، ولا يتنافى مع ذلك، فإنه لما أخبرهم أنه سوف يخلق آدم قالوا: ((أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..))[البقرة:30] فاعترضوا.
وأما الشهوات فإنهم لا يتشوفون إليها، ولا يظن بهم ذلك، لكن المطلب له وجهاته وقد يغبطونهم، وقد يقولون: إنك تعطيهم هذا، ونحن لم تعطنا، فلا يوجد مانع يمنع ذلك عقلاً.